من هو الجندي المجهول؟ وماذا تعرف عنه؟ على مر العصور، كرمت المجتمعات الحضرية والممالك القديمة جنودها وحماتها؛ إن الجنود هم الدرع القوي في حماية الوطن والدفاع عن حيضه، وعليهم مهمة التصدي للأعداء الطامعين في خيراته ومقدراته، والمستعدين في كل الأوقات للتضحية بأرواحهم؛ إنهم لا يبخلون بالتضحية بالأرواح والغاليات، ولا يبخلون بدماءهم الغالية في سبيل تحقيق هذا الهدف السامي، وهو إعلاء الوطن، والحفاظ على حدوده، وبقاء علمه. تحلق في سماءها. ولهذه الاعتبارات فإن الجيش والقوات المسلحة في كافة دول العالم، بجنودها المعروفين والمجهولين، يعتبرون من أهم مؤسسات الدولة. وتقديرًا لبطولاتهم وإنجازاتهم، تُقام لهم التكريمات السنوية، وتُبنى لهم الصروح والنصب التذكارية.
من هو الجندي المجهول؟
الجندي المجهول ويعرف بالجندي الذي نال شرف الاستشهاد في ساحة المعركة، وهو يخوض الحروب، ولم يتمكن المعنيون من التعرف على هويته أو حتى شخصيته، ولم يتمكنوا من تحديد ملامحه الجسدية، بسبب التشويه الشديد الذي تعرض له نتيجة الحرب، مما جعله غير معروف في سجلات الشهداء. ولا تتم مراسم دفنه في مقابر عسكرية، بل يتم دفنه في مكان منفصل لهؤلاء الجنود، ويسمى (مقبرة الجندي المجهول) أو (النصب التذكاري للجندي المجهول)، والدولة الأولى لإطلاق لقب الجندي المجهول -كتصنيف لهذه الفئة من الجنود- كانت فرنسا.
تاريخ إنشاء النصب التذكاري للجندي المجهول
ولأول مرة في التاريخ، أقيم النصب التذكاري للجندي المجهول في فرنسا، حيث تم العثور على رفات جندي فرنسي مجهول، استشهد في الحرب العالمية الأولى. ونقل جثمانه إلى العاصمة الفرنسية باريس، ودفن تحت قوس النصر، بعد أن نقشت على الضريح عبارة تقول: “هنا يرقد جندي فرنسي مات في سبيل الوطن”. وأقاموا فوق الضريح شعلة تظل مشتعلة ولا تنطفئ، وكان هذا الحدث في 11 نوفمبر من عام 1920م. ويعتبر قوس النصر في فرنسا اليوم رمزا تذكاريا يخلد تضحيات 1390 مليون جندي فرنسي سقطوا في تلك المعارك. ومن فرنسا انتقل هذا التقليد وأصبح إجراءً متبعًا في جميع دول العالم.
بخصوص النصب التذكاري للجندي المجهول
وبخلاف مقابر الشهداء العسكريين التي يتم بناؤها في أماكن محددة، يمكن بناء قبر الجندي المجهول في أي مكان، بشرط أن يكون في منطقة مفتوحة وواسعة تستوعب الأعداد الكبيرة من الوفود الرسمية وغير الرسمية التي تشارك في الاحتفالات، بالإضافة إلى أعداد زوار مكان النصب التذكاري. ومن الممكن رؤية أكثر من نصب تذكاري للجندي المجهول في بلد واحد، موزعين في عدة مدن مثل مدينة نصر والإسكندرية والإسماعيلية في جمهورية مصر العربية.
قبر الجندي المجهول في الولايات المتحدة الأمريكية
ومن أجمل وأشهر صروح الجندي المجهول ذلك النصب الموجود في أمريكا، وهو يضم رفات جندي اختاره الرقيب الأمريكي يونغر من بين 4 جنود أمريكيين مجهولين، دفنوا في المقابر الفرنسية، حيث دفن نُقل في يوم الهدنة في 11 نوفمبر 1921م إلى مبنى الكابيتول بالكونغرس، ودُفن في فرجينيا في مقبرة أرلينغتون الوطنية، وقد تم تزيين هذا القبر ببلاطة من الرخام الأبيض، نُقشت عليها عبارة “هنا يرقد في مكان عظيم”. المجد لجندي أمريكي لا يعرفه إلا الله”. وفي وقت لاحق، أمر الكونجرس بدفن جندي مجهول توفي في كل حرب من الحروب. الثلاث التي خاضتها أمريكا، وهي الحرب العالمية الثانية، والحرب الكورية، وحرب فيتنام، إلى جانب الجندي الأول الذي يعود استشهاده إلى الحرب العالمية الأولى.
الاحتفال بيوم الجندي المجهول في أمريكا
تقام كل عام احتفالات حول المدرج المحيط بمقبرة الجندي المجهول في مقبرة أرلينغتون الوطنية، في يوم المحاربين القدامى أو ما يعرف بـ”يوم الهدنة”، تكريما لتضحيات 16 مليون جندي أميركي شاركوا في الحرب العالمية. الثاني، وتقدير عدد الشهداء الذين استشهدوا فيها. مع 407 ألف شهيد. ويشارك رئيس الولايات المتحدة في الاحتفال شخصيا إلى جانب كبار المسؤولين وحشود كبيرة من المواطنين، حيث يتم استعراض حرس الشرف، ورفع الأعلام التي ترمز إلى كل فرع من فروع القوات المسلحة في الجيش الأمريكي، فيما يعتبر ويعرف هذا التقليد بـ”تحية السلاح”، ويضع الرئيس إكليلا من الزهور على النصب، على أنغام الفرقة الاحتفالية، وألحان الجنازات العسكرية التي تعرف بـ”تعويذة العودة”، و الأغاني الوطنية، وسماء أمريكا تشهد تحليق المروحيات العسكرية.
يظل يوم المحاربين القدامى والجندي الأمريكي المجهول احتفالا وطنيا حقيقيا، يتذكره الأمريكيون طويلا، ويذكرهم بتضحيات جنودهم وبطولاتهم، وهو من المناسبات المهمة التي يتطلعون إليها ويفتخرون بها من كل عام.